

ورغم تطور الزمن فقد حافظت العيالة على شكلها القديم ولم يطرأ عليها أي تغيير. ويرقصها الناس عادة في المناسبات السعيدة والأفراح. وتتمحور الرقصة حول قصة أشبه ما تكون بمعركة حربية. فيقف الرجال في صفين مواجهين، أحدهما يمثل المهاجم، والآخر يمثل المدافع؛ وكل صف يقف متلاصقاً، وفي الوسط يفصل حملة الطبول بين الطرفين. وتبدأ الرقصة بدقات الطبول العالية بينما يأخذ الرجال في الرقص بحركات سريعة لا تتوقف ويبلغ عدد الراقصين حوالي 50 شخصاً. أما الأغاني التي تردد بشكل جماعي فهي عادة من الشعر أو الفولكلور القديم أو تقال في معرض مدح رئيس الدولة. وتشبه الفرقة في تركيبها العام الأسرة العربية، بكل تقاليدها وأنماط العلاقات بينها. ففي الفرقة هناك "الأبو" وهو رئيس الفرقة والقيم على أمورها والمنظم لها. وهو أول من يبدأ بالشلات ـ أي الأغاني ـ فيها، ويكاد يتحمل مسؤولية كل صغيرة وكبيرة فيها، وهو مسؤول عن أعمال "العيال" أي أعضاء الفرقة. ومن هنا نجد أن "الأبو" في فرقة "العيالة" هو صورة عن الأب في الأسرة العربية.أما "معجم الألفاظ العامية في دولة الإمارات العربية"، فيعتبر "العيالة رقصة شعبية شهيرة من رقصات الحضر، ذلك أن شبيهتها تسمى عند البدو "حربية" و "زرفة"، إلا أنها تؤدّى بالشعر والنشيد المغنّى مصحوباً بقرع الطبول والدفوف والطوس". ويخمن المعجم أن اللفظة قد تكون مشتقة من "العيلان" أي الهجوم وهو ما يحدث خلال المواجهة بين صفي الراقصين. وينتهي إلى أن اللفظة فصيحة. ويبين بحث شيق نشرته لجنة التراث في مدرسة زايد الأول الثانوية بالعين، أن البحث عن جذور "العيالة" يقودنا إلى منطقة "نجد" قبل مئات السنين، حيث أخذت الحروب بين القبائل تصبغ الحياة العامة في المنطقة. ومن هنا يمكن اعتبار "العيالة" بمثابة النفير العام الذي يأمر القائد أو الشيخ بإطلاقه لجمع أفراد القبيلة على كلمة الحرب، حيث يصدر الشيخ أمره إلى "الأبو" الذي يجمع على الفور "عياله" ويأخذون بالرقص والغناء مع قرع الطبول، الأمر الذي يكفي لجمع الناس ودعوتهم لإجابة أوامر الشيخ. ومع مرور الزمن أصبحت "العيالة" نفيرا عاماً لمناسبات أخرى غير الحرب مثل الزواج ويصاحب كل لون أو نوع شعر خاص.وهناك نوع آخر من رقصة "العيالة" يعرف بـ "العيالة البحرية" مرتبط بالغوص وصيد اللؤلؤ وصيد السمك. يؤدي العاملون فن العيالة على السفينة البحرية، يقودهم "النهام" وهو المنشد الشعبي الذي يعلق في رقبته طبلة متوسطة الحجم أسطوانية الشكل ذات وجهين، ويدق عليها ليعطي الإيقاع المناسب. وتتخلّل الرقصة حركات تعبيرية تمثل تمايل السفينة فوق الأمواج وإلقاء الصياد لشباك الصيد، كما تمثل حركات الغواصين أثناء خروج الغواص من قاع الخليج.وتقدم رقصة "العيالة البحرية" تصويراً وتمثيلاً لحركات البحارة على السفينة وحركات التجديف أثناء سكون الرياح أو الاقتراب من الشاطئ.
يذكر الباحث عبد القادر سالم في دراسة أعدها حول الأداء الحركي وارتباطه بالغناء إن بعض الرقصات الشعبية في السودان مرتبط بالغناء وما يصاحبه من تصفيق فقط أي من دون وجود الآلات الموسيقية المصاحبة، وبالتالي يتكامل الغناء والتصفيق مع الرقص. ويعتبر الباحث أن الإيقاع الذي يخلقه الراقصون والراقصات بالضرب على الأرض والتصفيق، يكون جزءاً هاماً من تركيبة إيقاع الأغنية، وبالتالي فهو عنصر من عناصرها يعطيها الحيوية والنشاط. ويضيف أن هناك بعض الرقصات لا يصاحبها غناء بل تعتمد على إيقاعات الطبول، حيث يشارك أكثر من طبل لخلق إيقاع للرقص، كما في "نقارة المسيرية" و"الحوازمة" وغيرهما. وأخيراً هناك نوع من الرقص مصاحب للطبول والآلات الموسيقية والغناء.صدرت الطوابع السودانية منذ نال السودان استقلاله في العام 1956؛ لكن إصداراتها قليلة بالمجمل ومحدودة المواضيع. وما يعنينا منها، في هذا المقام، هو إصدار الرقصات الشعبية في 1990. كرست الطوابع الستة لـ"رقصة مردوم" و"رقصة كمبالا" و"رقصة زنادي" و"رقصة النوبة" وهي رقصات شعبية سميت باسم الجماعة التي تؤديها وهناك "رقصة السيف".نجد إن حركة أداء الفتيات والشبان في المردوم عند قبائل البقارة بغرب السودان، تتشابه وحركة ركض الخيل. وهذا النوع من الرقص التقليدي في منطقة كردفان فيه محاكاة لحيوانات البيئة المحلية أسوة برقصات تعرفها مناطق أخرى. وفي رقصة "الكمبلا" يقلد المؤدون خوار الثيران مع تقليد حركة تناطحها.وفي مناطق السودان الأخرى ترقص قبائل "الزاندي" على إيقاع "البالمبو" والطبول مع الغناء الجماعي. أما رقص وغناء أهل النوبة المعروف بـ "البخسة" فهو تقليد يقدم مع بداية نضج المحصول الزراعي بالمنطقة. وهناك أخيراً رقصة "السيف" عند قبيلة البجا ويقابلها رقصة "الرمح" عند الشلك؛ وهي تعبير عن
القوة وإظهار لها. بالطبع هنالك العديد من الرقصات الشعبية لم يعرض لها الطابع السوداني، ومنها رقصة "أم دكينة" عند بني هلبة بدارفور، والتي تعبر عن الابتهاج بالنصر بعد المعركة؛ وهناك رقصة "الهوكي" عند البرتا التي تقدم مع بداية فترة الحصاد؛ ورقصة "الصقرية" في منطقة البطانة ورقصة "السماكة" عند الرشايدة بشرق السودان. وعلى أمل أن يقدم الطابع السوداني في المستقبل القريب لرقصات أخرى فيتجذر وعينا لها عنواناً وتشكيلاً.أما الرقصات الشعبية في بلدان شقيقة أخرى فلنا وقفة معها من خلال طوابع المملكة العربية السعودية والمغرب والجزائر وليبيا في مقالة قريبة.***رقص وتعبير وفرح وتناغم هي عناوين تختصر روحية الرقصات الشعبية التي انتقلنا معها في هذا السياق من المعيوش إلى المشاهدة الطوابعية. وفي مبادرات جديرة بالتقدير، ينقل لنا هذا الإرث العربي الرسمي معالم من التراث الشعبي ؛ فيأنس به ويتحرك بحراكه عله ينقلنا من المشاهدة العابرة إلى ديمومة الحفاظ على كل ما هو تعبيري وجميل وأصيل.
المقال لـ/ هدى طالب سراج (المستقبل - الاحد 4 شباط 2007 - العدد 2520 - نوافذ - صفحة 13)
(الصور من مصادر مختلفة)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق