الأحد، أغسطس 09، 2009

رقصة ( النقارة ) من التراث السوداني


رغم التنوّع القبلي الواسع في السودان الذي يضخ رصيدا وافرا من العادات والموروث الثقافي، والرقصات الشعبية، إلا أن (النقارة) هي السيده التي تسيطر على المزاج والتراث السوداني منذ القدم، والآن في مختلف المناسبات الاجتماعية والأعياد الرسمية والشعبية وحتى في الحروب। النقارة هي جزء أصيل في الثقافة السودانية، وتستخدم مفردة (نقارة) كاسم آلة واسم رقصة واسم مكان لأداء الرقص المصاحب لإيقاع النقارة। ويطلق لفظ النقارة على الآلات والإيقاعات التي يعزف عليها عند قيام الاحتفال، وهي منتشرة في جميع أنحاء السودان، ولكن الاختلاف يكون في التسمية أو الأداء، وحتى شكل النقارة يختلف من قبيلة إلى أخرى وتسمى النقارة أو النحاس أو الطبلة. ويقول أستاذ الفلكور السوداني نزار عثمان لوكالة الأنباء الكويتية (كونا): إن النقارة هي رقصات شعبية عادة تقام في الأفراح والأعياد الرسمية والشعبية، وفي الزواج والختان والانتصار في الحرب، وتعبر عن الأفراح أيا كانت نوعها أو طريقة أدائها. وأضاف الأستاذ عثمان، هي رقصة سريعة تشترك فيها الفتيات، وتعمد على الإيقاع، حيث تبدأ ضربات إيقاع آلة النقارة التي تصاحب الرقص، وعادة ما تستخدم أكثر من نقارة متفاوتة الأحجام في وقت واحد، لتكوّن مع بعضها إيقاعات متقاطعة مركبة. وذكر أن رقصة النقارة تلفت الانتباه إلى مضمون يعكس طبيعة الحياة والقيم الاجتماعية المتأصلة في نفوس هذه القبائل، ومضمونها يرتبط بالعيد والفروسية والقوة. وبيّن عثمان أن لدى معظم قبائل غرب وجنوب السودان يكون مكان أداء الرقصة في الوادي، أو في النقع أو أطراف الحي، بحيث يقلل الإزعاج عن أهل الحي، وتكون جموع الشبان في شكل دائري يتوسطهم النقار، وهو الشخص الذي يضرب النقارة، ونجد الفتيات في دائرة داخلية، وهن مصدر الغناء والطرب، بينما الفتيان في الدائرة الخارجية. وعن النقارة الأشهر في السودان، يرى عثمان أن النقارة عند الدينكا هي الأكثر شهرة وقوة في تأثيرها وإيقاعاتها وأدائها. «النقارة تعني لقبيلتنا الكثير فهي ترمز إلى التراث والعادات والتقاليد والطقوس التي تمارسها القبيلة، وهي الأكثر تأثيرا في التعبير عن الشعور لدى أفراد القبيلة». وبيّن أنها تكون في فصول الراحة أو بالأصح في فصل الصيف، حيث لا زراعة ولا أعمال كثيرة، لذلك يلتقي الشباب حول هذه النقارة، ويحرص الشباب والشابات أن يكونوا بأفضل زينتهم في النقارة، والشباب يلبسون قطعة في وسطهم تسمى (ضوك)، وهو جلد النمر، ويشترط أن يكون جلد نمر مقتول، وليس جلد نمر ميت، وهذا يضيف الكثير. كما يضع الفتيان ريش النعام على رؤوسهم، ويمسحون وجوههم بالألوان، ويؤدون هذه الرقصة حفاة في أغلب الأحوال، والفتيات يلبسن قطعة جلد أيضا تسمى (بونك)، وهو جلد بقر، ولا ينسين التزين بالسكسك وحلي من النحاس أو الفضة، وقبل المغرب بقليل يتوافد الشباب والفتيات مجموعات على مكان النقارة المقترح. وعندما يبدأ الرقص فإنه يحتاج إلى لياقة جبارة، لأن رقصة (دينكا ريك) يتم فيها ضرب الرجلين على الأرض بقوة، علما أنك لن تكون منتعل أي حذاء، وكلما استمررت في الرقص تتوافد عليك الفتيات ويتبارين للرقص أمامك، واليدان مرفوعتان إلى أعلى مثل قرون البقر. وعند القبائل في دارفور وغرب السودان يقول الأستاذ عثمان: إن النقارة يرقص فيها الفتيان على شكل دائرة، وتوضع آلة النقارة في منتصف حلبة الرقص التي يشارك فيها الشباب، ويرتدون جلاليب قصيرة تسمى (عراريق). وأضاف يضع الشباب على رؤوسهم بعض الريش المثبت على الطواقي الحمراء، ويحمل كل شاب سكينا مزينا، وتتزين الفتيات بالحلي والحرز (السكسك)، ويربطن على خصورهن العمائم، ويتكون العازفون من أربعة أشخاص الأول يضرب على النقارة، والثاني على آلة التمبل، والثالث على السواق، والرابع يغني. أما قبائل شرق السودان فإن النقارة تعرف باسم (النحاس)، ولها أهمية تختلف عن قبائل السودان الأخرى، فهي رمز للسلطة الزمنية والسياسية. وكل من يأخذها عنوة له الأحقية في زعامة القبيلة. ولا يتم الاعتراف بزعامة الشخص وسلطته، إلا بعد الحصول على النقارة التي تمثل مظهرا للهيبة، ومن العادات الموروثة لدى قبائل الشرق نشر اللبن على النقارة في حالة الحرب، باعتبار أن اللبن رمز النصر عند القبيلة.

ليست هناك تعليقات: