الثلاثاء، مايو 18، 2010

مصادر الفولكلور السوداني

مصادر الفولكلور السوداني
ظهر مصطلح الفولكلور لأول مرة كميدان جديد من ميادين المعرفة في القرن الثامن عشر الميلادي، علي يد العالم الإنجليزي وليم تومز، ليحل محل مصطلح كان مستعملاً قبله، وهو (السوالف القديمة المحببة) وذلك في 1846، وكان العلماء في نفس ذلك الوقت يستعملون مصطلح (الفولكسكنده) التي تعني الثقافة الشعبية الألمانية. ثم ظهر مصطلح منافس في القرن العشرين اُستخدم خاصة في الدول الأسكندنافية وأمريكا، وهو (الحياة الشعبية) بينما كان الأمريكيون يستخدمون مصطلح التراث الشفاهي معه. أما العرب فكانوا يستخدمون مصطلحات عدة مثل فولكلور، وأول سوداني أستخدم هذا المصطلح هو محمد عشري صديق، في مجلة النهضة عام 1932، كان العرب يستخدمون أيضاً مصطلح المأثورات الشعبية التي إعتمدتها منظمة الأليسكو كترجمة لمصطلح الفولكلور، أما مصطلح الفنون الشعبية فقد كان يستخدم خاصة في مصر والعراق، ولكن عموم الكتاب كانوا يستخدمون مصطلح فولكلور للدلالة علي المادة العلمي الذي يدرسها. إقترح عالم الفولكلور الأمريكي آلن دندس مصطلح فولكلوريا ليدل علي العلم، بينما يبقي مصطلح فولكلور للدلالة علي المادة التي يدرسها. ولكن تاريخ بداية الإهتمام بالفولكلور لا ينفي أن الفولكلور كان موجوداً أصلاً، وكان هناك إهتمام بجمعه يسبق ذلك التاريخ، وفي السودان، إإهتم مختلف الكتاب الأوائل بالفولكلور المروي والحياة الشعبية فيها، إذ كتب هيرودتس مثلاً عن (عبادة المرويين للشمس) وذلك في القرن الخامس ق.م، أما ديودورس سيكيولوس فقد كتب عن مروي في القرن الأول قبل الميلاد وناقش (قتل الأمراء الطقسي للملك)، كما أشار أيضاً جيمس بروس لذلك القتل الطقسي الذي إستمر حتي الفرن الثامن عشر.
في السودان نجد أن المدونات الفولكلورية قد مرت بمراحل عديدة حتي وصلت إلي المرحلة العلمية، ومن أميز هذه المراحل: - مرحلة المؤرخين العرب - مرحلة الممالك الإسلامية - مرحلة المؤرخين المصريين - فترة الإستعمار وأخيراً مرحلة ما بعد الإستقلال وحتي إفتتاح معهد أبحاث السودان 1964، والذي صار فيما بعد 1972 معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية، الذي يؤرخ لظهور الدراسات العلمية للفولكلور، وأما الفترات السابقة فقد كانت الكتابات فيها وصفية ترتكز علي الإهتمامات الشخصية للكاتب، إلي جانب بعض الدراسات التي قام بإعدادها دارسين وباحثين إنثربولوجيين ودارسي علم إجتماع وغيرهم. وأما دور المؤرخين العرب فقد كان الهدف الأساسي من رحلاتهم هو التعرف علي الشعوب وغرائبهم، وليس لدراسة الفولكلور، ومن هؤلاء: المسعودي - القلقشندي - الطبري، ومنهم أيضاً ابن التونسي الذي ألف كتاب تشحيذ الأذهان الذي ركز فيه علي العادات والتقاليد الإجتماعية والثقافية والمادية مصحوبة برسومات توضيحية، ومن رحالة القرن التاسع عشر الطهطاوي الذي دون ملاحظات عن السودان في كتابه مناهج الألباب.
ثم تأتي فترة الفتح الإنجليزي التي فيها نعوم شقير الذي ينفذ المنهج الإنثربولوجي لتنفيذ السياسات الإستعمارية بشكل أقرب للفولكلور، فأهتموا بصميم المادة الفولكلورية، وركزوا علي جنوب السودان ودارفور. ويلي ذلك ظهور (مجلة السودان في رسائل ومدونات) 1918التي من كتابها عبدالله الطيب: "العادات المتغيرة للمجموعات النيلية"، وايفانز بريتشارد: "الزاندي"، وبقية المجلات السودانية: النهضة - الفجر - حضارة السودان - الرائد. ثم ثمرة خريجي كلية غوردون مثل الشيخ أحمد عثمان القاضي وعبدالله عبدالرحمن الضرير(العربية في السودان)، ثم دور الرواة مثل الشيخ بابكر بدري (كتاب الأمثال)، وإبراهيم العبادي، ثم عبدالله الطيب (الأحاجي السودانية).
المصدر: http://www.sudanway.sd/folklore.htm

الثلاثاء، مارس 23، 2010

قراءات نقدية - بيت عبد العزيز لـ شامة ميرغني

الخميس, 03 ديسمبر, २००९

من عنوان النص الذي يترك عند المتلقي احساس بان السرد القادم سوف تكون حبكته مبنية على ان بيت عبد العزيز كمركز للنص ومحورا تدور فيه الاحداث وتقف من خلفها الشخوص، وان بناء البيت هو الفكرة التي تحاول القاصة الوصول اليها من خلال متون النص وتسلسله، باعتبار ان السكن من المشاكل التي يعاني منها عامة الناس، ومن هم في دول الاغتراب بصفة اخص. لكن القاصة كانت ترمي الى بؤرة اخرى لتحلق بالنص بعيدا عن العنوان بيت عبد العزيز مستخدمة بذلك تقنية عزل العنوان عن النص بالرغم من بروزه في مراحل مختلفة من بناء النص:
على سبيل المثال:
- انت بالذات يا عبد العزيز ما تتكلم، والله كان ما مرتك، ما كان، بنيت البيت..
- طيب افتح المظروف عشان تشوف كيف بقى عندنا بيت من اجمل البيوت...
حتى يتحدد بيت عبد العزيز بشكل قاطع في نهاية النص:
((بينما تمعن عبد العزيز اللوحة المضئية التي كتب عليها بخط رصين منزل عبد العزيز احمد يوسف))
والارتباط الوثيق بين بطل النص عبد العزيز وبين العنوان بيت عبد العزيز، يجعل الفكرة التي اشرنا اليها سابقا تلقى بظلالها عندما تقراء العنوان.
نجد ان القاصة اؤلت العنوان عناية خاصة، في كل اعمالها التي تميزت بدراسة عميقة للمجتمع وما يدور فيه، من تناقضات. ونشير الى بعض العناوين لاعمال الكاتبة، في مجال الرواية والقصة القصيرة والشعر:
1. زمن الموانع رواية
2. ابو القدح شعر
3. نصب عينيك الوطن شعر
4. بكائية ليلة الاستقلال شعر
5. الراكوبة قصة قصيرة
6. العنقريب قصة قصيرة
7. اكاذيب شعر
8. بيان دارفور شعر
9. مرافعة الزير قصة قصيرة
في هذا النص بيت عبد العزيز حاولت القاصة ان تساهم في تغيير الصورة السالبة، لنظرة المجتمع للمراة، لذلك قامت بطرح مشاكل اجتماعية اخرى، وبالتالي العمل والبحث لها عن حلول في اشارات من خلال النص، ولكننا نقول لها ان هذا النوع من الكتابات الادبية القصة القصيرة لا يتسع الى محاور متعددة، من الافضل التركيز على فكرة واحدة والبحث فيها وطرحها للمتلقى مباشرة، والاستفادة القصوى من اللغة المستخدمة في النص، ومن الامكانات السردية، وتسلسل الاحداث داخل النص، وشكل الحبكة المستخدمة فيه.
ونقتبس ما قاله الدكتور هاشم ميرغني في كتابه بنية الخطاب السردي في القصة القصيرة حول هذا المعني، يقول:
((نشات القصة القصيرة، اذن، للتعبير عن حاجة ملحة، تتمثل في التعبير عن لحظات الحياة العابرة، المنزوية وتستبطن القصة القصيرة هذه اللحظات العابرة لتستخرج منها دلالاتها الخصبة الباطنية التي تغفو داخله، وهو الشيء الذي لا يمكن ان ينهض بعبء التعبير عن الشعر، او الرواية المشغولة بتصوير الحياة كاملة، وهذا هو محور القصة القصيرة وعلة وجودها والشيء الذي يمنحها خصائصها وتماسكها الفني، واستقلالها عن غيرها من الاجناس الادبية))
المشكلة او الحدث الذي قامت القاصة ببناء السرد والحبكة عليه، وبالتالي حشدت له الشخوص داخل النص، تمثل في الصراع الذي كان يعيش فيه البطل عبد العزيز، بعد ان اهتزت معتقداته وعلمه وثقافته، لما كان يحمله عن دور المراة في الحياة و مساعدة الرجل فيما يقوم به من عمل أي كان نوعه وهذه المساعدة، تتعدد اشكالها، بالمال، او الراي، او بالفكرة. هذا التفكير السلبي تجاه المراة نجده شكل صراعا حادا عاش فيه عبدالعزيز في غربته وكان ينهشه نهشا، وهكذا عاش حياته في تناقض غريب، لاقتناعه بدور المراة وتاثره بمحيطه الاجتماعي والضغط عليه بالكلام:
انظر:
- انت بالذات يا عبد العزيز ما تتكلم، والله، كان ما مرتك، انت ما كان بنيت البيت ده..
ظهر الصراع الذي كان يعيش فيه عبد العزيز، ويتنازعه نفسيا، الشيء الذي اثر على توازنه وتفكيره، ظهر واضحا وبشكل قاطع تماما في هذا الجزء من النص:
انظر:
((... وظل عبد العزيز يتارجح بين غضبه وافرازات جينه الوراثي الذي لا يرضيه ان تتفوق الانثى عليه، واحكام المجتمع الذكوري الذي يرى ان مواضيع البناء والتشييد من صميم اختصاص الرجال، وبين المتراكم لديه من جراح منذ الطفولة بسبب انتقادات هذه الشلة، طفا كل ذلك على السطح، ولم يعد عبد العزيز قادرا على التفكير لكنه ظل يزفر اوووف....))
استطاعت القاصة ان تخلق شخوصها وتقوم بتحريكهم بدقة نحو الحدث الرئيس في القصة، وهو الصراع الداخلي الذي كان يعيش فيه البطل، وقبل ان نتحدث عن شكل نهاية النص واقفاله، ننظر الى تطور بناء السرد حول الحدث، باختلاف الزمان والمكان فيه، نجد ان القاصة استخدمت اسلوب عرض المشاهد المتفرقة ومن ثم العمل على تجميعها في شكل بنائي، نهائي، للحبكة، عرفه النقاد بالحبكة المفككة.
ان مراحل بناء الحدث في النص تمثلت لنا في النقاط التالية حسب الترتيب داخل النص:
1. مكان السكن وتفجر المشكلة في دولة الاغتراب.
2. طفولة عبد العزيز
3. قصص الشلة ايام المراهقة
4. الشلة والطريق الى الخمر والزنا
5. الشلة والاغتراب
6. عبد العزيز ونجاحه وتخرجه من الجامعة
7. مبادرة فتحية للتعرف على عبد العزيز في النادي
8. الزواج والابناء
9. سفر عبد العزيز ونجاحه في الغربة
10. الغيرة من عبد العزيز بسبب نجاحه
11. التاثير على عبد العزيز من قبل الشلة
12. المكالمة الاولى من فتحية
13. المكالمة الثانية من فتحية
14. قمة النص
15. المكالمة الثالثة من جعفر
16. اجراءات السفر
17. نهاية النص
بعد عرض هذه النقاط ال17 نجد ان القاصة استطاعت ان تسلط الاضواء على الحدث والوصول بالقصة الى نهايتها. ولكنها في عرضها للحدث ومحاولاتها لاحكام الحبكة حول النص، نجدها قد اضافة الى البناء السردي للقصة العديد من المحاور، وفي راينا ان النص لم يكن بحاجة اليها وهي بالتالي ادت الى توسيع دائرة السرد. ومن هذا نشعر بان القاصة كانت فكرتها الاساسية ان تكون القصة القصيرة بيت عبد العزيز، رواية او اقصوصة، ذلك لتعدد الشخصيات وكثرة المشاهد التي عرضتها القاصة حول الحدث الاساسي للنص.
البناء السردي للنص وتعدد فضاءاته التي نعتقد بان النص لم يكن في حاجة اليها:
1. طفولة عبد العزيز وتكالب اعضاء الشلة عليه.
2. الشلة التي تمارس الشغب واجتماعاتها خلف النادي.
3. الشلة في ديار الغربة وممارستها للكسل والشماته ولعب الورق والحسد.
ان عرض مشاكل الشلة داخل النص، وحديثهم في اعراض الناس، ((حسن وبنت الناظر)) هذه الصورة الاجتماعية السالبة التي مردها وسببها الاساسي هو الفراغ والعطالة وعدم الاستفادة من الوقت فيما ينفعهم وينفع الناس كل هذا ادي بهم الى ان يصلوا الى ما وصلوا اليه، فاصبحوا ((مكانك سر)) لا يجيدون شيئا سوى الانتظار وهتك الاعراض وممارسة الحسد على انفسهم.


لا ننكر اهمية عرض هذه المشكلة في النص ولكننا نرى ان القاصة اسهبت في ذلك حتى اننا كدنا ننسى عبد العزيز وصراعه من نفسه، ولعل القاصة شعرت بانفلات النص من بين ايديها فقامت بالمعالجة عن طريق المكالمات التليفونية والحوار الداخلي في النص. واشارة القاصة في ملمح سريع الى مشكلة اخرى نراها كانت هي الفارق الرئيس الذي ميز عبد العزيز عن اقرانه، الشيء الذي ولد الحقد والحسد نحوه.
تقول:

((... وجربوا اشياء اشعرتهم بزهو الرجولة، فتركوا الدراسة وقرروا السفر..))
ترك الدراسة من اخطر المشكلات التي تؤثر على الفرد وعلى المجتمع، ولكن يبقى سؤال خلف هذا النص، نطرحه هنا بالانابة عن القاصة.
هل ترك الدراسة يكون من عدم اهتمام ورغبة. ام يكون من عدم توفر معينات ومتطلبات الدراسة من مدارس واساتذة وكتاب ...!!؟؟
بالنسبة للشخوص الذين استعانت بهم القاصة في بناء السرد ورسم الحبكة، كانت تتركهم يتحدثون عن انفسهم حينا، وتتحدث هي (أي القاصة) عنهم احيانا كثيرة. اذا ما استثنينا الحوار الذي ورد في النص عبر المكالمات التليفونية وقصة حسن وبنت الناظر.
ونقتبس ما يقوله معاوية نور عن خلق الشخصيات في النص ما يلي:
((... فالقاص مطالب ان يكون واسع الصدر واسع النظر والروح، لا يضيق صدره بخلائقه، بل يعطف على الكل، ويسبغ على قصته روح العدل، والنظرة الشاملة المتساهلة العاطفة، ذلك العطف الذي يخلق الشخوص الطيبة والفاسدة، والضاحكةوالباكية، والممعنة في الاصلاح، ومن ليس لها في الصلاح حظ او نصيب، والشخصيات الآسية والشخصيات الضاحكةملء شدقيها، ثم يمسح على راسها كلها ويحنو عليها كما تحنو الام على ابنائها..))
ان نهاية النص كانت تقليدية بعد ان عرفنا الحدث الذي دارت حوله القصة، ذلك نسبة لثورية الفكرة خاصة وان ابطالها عبد العزيز وفتحية شخصيات متعلمة ومثقفة ولها فكر.
اذا كان عبد العزيز قد تاثر بما يقوله الاخرون والضغط والصراع النفسي الذي عاش فيه في دولة الاغتراب، ان تاثر عبد العزيز بمحيطه بتلك السرعة ولم ينفعه تعليمه وثقافته في الدفاع عن زوجته فتحية. في ان ما تقوم به لا يجعلها منبوذه من المجتمع، بل ان ما قامت به وتقوم به يعجز اولئك الحاسدون عن القيام به.لا نريد ان نقول ان فتحية مسكينة وضعيفة، حتى تتنتظر تدخل ((القدر)) وتمرض وتنفقع مرارتها ومن ثم يعطف عليها عبد العزيز ويحن اليها ويسمحها، ويعيشون في سلام وسعادة.
ولكننا نسال سؤال:
هل قام عبدالعزيز بمسامحة نفسه قبل ان يسامح فتحية ويعطف عليها!!؟؟
لم تكن فتحية بذلك الضعف حتى تستحق هذه النهاية انظر الى هذا الجزء من النص لتتاكد من ذلك:
((... صدفة قابلها في احتفال اقامه النادي الذي يحمل اسم القرية، رمقته فتحية باعجاب وبادرت بالتعرف عليه، فقد سمعت عنه الكثير...))

الأحد، يناير 10، 2010

الفلكلور في إبداع الطيب صالح

صدر عن دار جامعة الخرطوم للنشر كتاب “الفلكلور في إبداع الطيب صالح” للقاص الدكتور محمد المهدي بشرى، أستاذ مادة الفلكلور بمعهد الدراسات الإفريقية والآسيوية جامعة الخرطوم وهي دراسة في جنس الفلكلور في أدب الروائي الطيب صالح، وقد كانت هذه الدراسة عبارة عن اطروحة الدكتوراه من قبل القاص محمد المهدي بشرى. ثمة دراسات كثيرة تناولت أدب الطيب صالح حتى تلك التي بغرض نيل درجة اكاديمية إلا أن هذه أول دراسة تتناول جنس الفلكلور في أدبه، ويعد محمد المهدي بشرى، من الأدباء الذين لهم إسهام متميز في مجال كتابة القصة القصيرة وأدب الأطفال بالإضافة إلى إسهامه في مجال الدراسات النقدية الأدبية عبر المنتديات المختلفة وأيضا عبر الصحف والمجلات السودانية وقد صدرت له مجموعة قصصية بعنوان “الصمود والانهيار” عن دار شهري عام 1986 أيضا مجموعة “الأسد والنمر” “وأم قيردون الحزينة” مجموعة حكايات للأطفال وهي مجموعة تحت الطبع.
استهل بشرى دراسته بوصفه متخصصا في الفلكلور بمدخل تعريفي لعلم الفلكلور موضحا أن تعريف المصطلح قد اختلف حوله الباحثين منذ أن اقترحه “وليام تومز” قبل قرن من الزمان، مؤكدا أن التعاريف التي اتخذتها “ماريا ليش” و”هيروم فرايد” ذات فهم أحادي لأنها تركز على الماضي دون الحاضر، وعلى الريف دون المدينة، وتنظر للفلكلور في قوالب جامدة وليس في حيويته وصورته كإبداع يتجدد مع تجدد الحياة، وكان من الطبيعي أن ينعكس غموض مصطلح الفلكلور على غموض الجنس الفلكلوري، كذلك لم تشغل الأدبيات المبكرة نفسها كثيرا بتحديد وتعريف الجنس الفلكلوري، مشيرا إلى أهمية الدراسة المطولة لجلادمير بروب ومساهمته هذه بمحاولة وضع أسس لتصنيف الجنس الفلكلوري، وفي نهاية الأمر يخلص الكاتب في دراسته لإبداع الطيب صالح إلى وجود الصعوبة نفسها التي اعترضت معظم الباحثين في محاولتهم تحديد مصطلح الجنس الفلكلوري بشكل دقيق ولكنه يرى أن مفتاح الأمر هو معرفة الثقافة التي يبدع في إطارها الجنس الفلكلوري ونقصد بها هنا ثقافة جماعة “الشايقية”، ومن ساكنهم من جامعات أخرى، أي ثقافة المجتمع الذي حاول الطيب صالح معالجته قصصيا وروائيا وهي ثقافة تتميز بعروبتها وإفريقيتها على حد سواء، وهي مثل أي ثقافة أخرى لها خصوصيتها وسنلاحظ أن الطيب صالح قد تشرب هذه الثقافة، وهضمها ولهذا وفق في استخدام جنس فلكلوري يتسق مع خصوصية هذه الثقافة وكانت أغلب الأجناس الواردة في سياق إبداعه تنتمي بصدق لهذه الثقافة، بل هو يستخدم هذه الأجناس على النحو الذي تم في واقع الأمر كما سنوضح فيما بعد مشيرا بعد ذلك إلى أن هذه الثقافة لا يختلف منهج دراستها عن منهج دراسة جماعة الجعليين الذي درسه سيد حامد حريز.
في مقدمته للكتاب، أوضح بشرى أن هذه المقدمة تدرس العلاقة بين الفلكلور والأدب المكتوب ثم تعدد دوافع الاختيار لإبداع الطيب صالح، مشيرا إلى أن العلاقة بين الأدب المكتوب والفلكلور تقوم على مشكلة يصعب معها تحديد طبيعة هذه العلاقة ولعل المشكلة تتضح مع مشكلة المصطلح نفسه وبوجه خاص في مصطلح “الأدب” فهو أيا كان لن يخرج عن علاقة ما تربطه بالفلكلور، فكلاهما إبداع ونشاط إنساني يسعى إلى التعبير عن الدواخل، ربما كان الفلكلور تعبيرا أكثر شمولا إذ يضم في داخله العديد من الفنون كفن القول والدراما، اضافة لهذا ان الأدب والفلكلور يقومان على محاكاة الواقع وتصويره بشكل تجديدي وتزداد حدة المشكلة كلما أمعنا في النظر في أشكال بعينها كالملحمة في الفلكلور والرواية في الأدب وليس أدل على هذا الفهم العام والذي ساد زمانا طويلا أن الرواية المعاصرة هي ملحمة العصر الحديث، وهذا يعني أن الرواية كجنس أدبي في أرقى صورها المعاصرة ما هي إلا بلورة وتجسيد لجنس ينتمي أصلا للفلكلور وهو الملحمة وتوجد أصلا في الأدب الشعبي وهذا ينطبق على العديد من الأجناس الأدبية كالشعر والمسرح، وذلك يرجع لتأخر اكتشاف الكتابة مما يعني أن الإنسان بدأ نشاطه الإبداعي شفاهة، وقد قطعت الدراسات النظرية والمنهجية في مجال الفلكلور شوطا طويلا، خاصة في ما يتعلق بمشكلة العلاقة بين الأدب والفلكلور. ويخلص الكاتب إلى أنه رغم تعدد الدراسات النظرية حول علاقة الأدب بالفلكلور، إلا أنها توفق في حسم أبعاد هذه العلاقة ويرجع هذا أساسا إلى قصور الفهم لطبيعة الفلكلور.
في الفصل الأول من الكتاب يتناول المؤلف علاقة المبدع السوداني بالتراث عامة والفلكلور خاصة مبينا أن ذلك لم يأخذ شكلا واضحا إلا في فترة الثلاثينات حيث تبلور مفهوم عام حول الذاتية وهو الأدب الذي اصطلح عليه ب”الأدب القومي” وتبنى حمزة الملك طمبل الرجوع للتراث ممثلا في اللهجة العامية لتوظيف إمكانات هذه اللهجة في شعر يتميز بالحداثة وينتهي في ذلك لكل من التجاني يوسف بشير، ومحمد احمد المحجوب إلى ضرورة تطوير التراث وذلك في مناداة التجاني بإثراء اللغة العامية فيما سماه الأدب الشعبي وثراء هذه اللغة في إيصال المعنى والمحجوب بإعادة صياغة القصص الشعبية، وأشار أيضا لأهمية القصائد التي تتحدث عن تاريخ السودان وأبطاله ويسميها ملاحم، وقد بدأ الاهتمام بالتراث عندما تم تأسيس شعبة أبحاث السودان بجامعة الخرطوم والتي أصبحت فيما بعد معهد الدراسات الإفريقية والآسيوية ويضم ثلاث شعب، واحدة منها للفلكلور وقد كان لهذه المؤسسة الأكاديمية منذ إنشائها فضل الجمع الميداني والتسجيل والكتابة الصوتية وغيرها، وقد أعطت هذه المساهمات الأكاديمية للراوي الشعبي قيمته الحقيقية ونظرت إليه كمبدع خلاق له دور جوهري في أداء الجنس الفلكلوري، كما أكدت هذه المساهمات الدور المهم للفلكلور كعامل فعال في التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
ويخلص الكاتب إلى أن مستويات تناول المبدع للتراث وتوظيفه يحددها موقف الكاتب من التراث وهذا لا يعني تباين مواقف هؤلاء المبدعين إذ غالبا ما نجدهم يتفقون على أهمية الملحمة التراثية في اللحظة التاريخية المحددة، وقد رأينا أنه حتى في مستوى معارضة التراث لا يسعى القاص لتحطيمه بقدر ما يسعى لإعادة بنائه وهو يعتقد أن التراث قد تصدع بمرور الوقت مما أدى إلى انقطاع الصلة بين التراث وجمهوره.
في الفصل الثاني يعالج الكاتب تحديد الجنس الفلكلوري وتوظيفه في أدب الطيب صالح ويبدأ بالأجناس المنطوقة كالشعر الشعبي، ثم يدلف إلى أجناس أكثر تعقيدا وهي تلك التي تندرج في إطار السلوك الشعبي كالكرامة وذلك ما يجعل النص الروائي أو القصص شبيهة بالنص الشعبي خاصة النص التراثي.
بعد ذلك يرصد الكاتب عددا من النماذج للشعر الشعبي في روايات وقصص الطيب صالح ثم ينتقل إلى جنس آخر وهو المثل الشعبي والأقوال السائدة يبينها ويوضح كيفية استخدامها من قبل الكاتب ثم يكشف عن استخدامات الطيب صالح للأدوات الشعبية خاصة في ما يختص بإشارة الناقد مختار عجوبة الذي تحدث عن تفوق الطيب صالح في استخدام التشبيهات المنتزعة من البيئة الشعبية، أيضا توظيف قصص كرامات الأولياء الصالحين. ويخلص بشرى إلى تحديد أساليب السرد لدى الطيب صالح ويوضح إمكاناته في توظيف العديد من الآداب العالمية مثل “الأحمر والأسود، لستندال، وألف ليلة وليلة”.
في الفصل الثالث يورد بشرى أسطورة الغريب الحكيم وكيفية توظيف الطيب صالح لها في رواياته وتسود أسطورة الغريب الحكيم بشكل جلي في الثقافات الافريقية، خاصة تلك التي تلاحقت بالثقافة الإسلامية عبر مختلف المراحل التاريخية، والثقافة السودانية واحدة من نماذج هذه الثقافات، الأمر الذي يفسر بروز الأسطورة.. في روايات وقصص الطيب صالح الذي يقترب من الأسطورة ويوظفها توظيفاً جمالياً منذ أعماله المبكرة، وقد واصل هذا التقليد حتى آخر رواياته، وقد وفر كل من علمي التاريخ والفلكلور حصيلة هائلة من المعلومات لظاهرة الحكيم الغريب ومن هذه الحصيلة يمكن تلخيص الملامح الأساسية في الآتي:
* قدوم الغريب من مكان مجهول
* عادة ما يوجد الغريب في الصحراء أو أي مكان مقفر ظامئا وجريحا
* أصل الغريب يرجع لمناطق ازدهار الحضارة الإسلامية
* يحمل الغريب ملامح تختلف كثيرا عن ملامح الجماعة التي تأويه وغالبا ما يتسم بالحكمة والجمال والشجاعة والقوة وما إلى ذلك من الصفات الإيجابية.
* يكتسب الغريب ثقة الجماعة وذلك بفضل الإصلاحات التي يقوم بها في الدول والمجتمع.
ويخلص الكاتب في خاتمة دراسته إلى أنه على الرغم من الغموض في العلاقة بعض الشيء بين الفلكلور والأدب المكتوب فإن الدراسات المنهجية في كليهما وفي علم الفلكلور خاصة قطعت شوطا طويلا لأجل حسم هذا الغموض، وأصبح من الممكن دراسة أي ظاهرة في إطار علاقة الفلكلور بشكل منهجي وعلمي ولا شك في أن دراسة الفلكلور في الأدب تندرج في هذا الإطار.
إن الدراسات الفلكلورية السودانية رغم قصر عمرها، حققت تطورا لا بأس به وتجاوزت غموض مصطلح الفلكلور الذي كان سمة واضحة في كتابات الرواد وتجاوزت النظرة الأحادية والانتقائية للتراث.
إن إبداع الطيب صالح يتكئ بصورة أساسية على الجنس الفلكلوري ويمكن تحديد العديد من الأجناس الفلكلورية على امتداد رواياته وقصصه القصيرة ولا يتوقف على شكل واحد بل ينوع في ذلك التوظيف.


الأحد، أغسطس 09، 2009

رقصة ( النقارة ) من التراث السوداني


رغم التنوّع القبلي الواسع في السودان الذي يضخ رصيدا وافرا من العادات والموروث الثقافي، والرقصات الشعبية، إلا أن (النقارة) هي السيده التي تسيطر على المزاج والتراث السوداني منذ القدم، والآن في مختلف المناسبات الاجتماعية والأعياد الرسمية والشعبية وحتى في الحروب। النقارة هي جزء أصيل في الثقافة السودانية، وتستخدم مفردة (نقارة) كاسم آلة واسم رقصة واسم مكان لأداء الرقص المصاحب لإيقاع النقارة। ويطلق لفظ النقارة على الآلات والإيقاعات التي يعزف عليها عند قيام الاحتفال، وهي منتشرة في جميع أنحاء السودان، ولكن الاختلاف يكون في التسمية أو الأداء، وحتى شكل النقارة يختلف من قبيلة إلى أخرى وتسمى النقارة أو النحاس أو الطبلة. ويقول أستاذ الفلكور السوداني نزار عثمان لوكالة الأنباء الكويتية (كونا): إن النقارة هي رقصات شعبية عادة تقام في الأفراح والأعياد الرسمية والشعبية، وفي الزواج والختان والانتصار في الحرب، وتعبر عن الأفراح أيا كانت نوعها أو طريقة أدائها. وأضاف الأستاذ عثمان، هي رقصة سريعة تشترك فيها الفتيات، وتعمد على الإيقاع، حيث تبدأ ضربات إيقاع آلة النقارة التي تصاحب الرقص، وعادة ما تستخدم أكثر من نقارة متفاوتة الأحجام في وقت واحد، لتكوّن مع بعضها إيقاعات متقاطعة مركبة. وذكر أن رقصة النقارة تلفت الانتباه إلى مضمون يعكس طبيعة الحياة والقيم الاجتماعية المتأصلة في نفوس هذه القبائل، ومضمونها يرتبط بالعيد والفروسية والقوة. وبيّن عثمان أن لدى معظم قبائل غرب وجنوب السودان يكون مكان أداء الرقصة في الوادي، أو في النقع أو أطراف الحي، بحيث يقلل الإزعاج عن أهل الحي، وتكون جموع الشبان في شكل دائري يتوسطهم النقار، وهو الشخص الذي يضرب النقارة، ونجد الفتيات في دائرة داخلية، وهن مصدر الغناء والطرب، بينما الفتيان في الدائرة الخارجية. وعن النقارة الأشهر في السودان، يرى عثمان أن النقارة عند الدينكا هي الأكثر شهرة وقوة في تأثيرها وإيقاعاتها وأدائها. «النقارة تعني لقبيلتنا الكثير فهي ترمز إلى التراث والعادات والتقاليد والطقوس التي تمارسها القبيلة، وهي الأكثر تأثيرا في التعبير عن الشعور لدى أفراد القبيلة». وبيّن أنها تكون في فصول الراحة أو بالأصح في فصل الصيف، حيث لا زراعة ولا أعمال كثيرة، لذلك يلتقي الشباب حول هذه النقارة، ويحرص الشباب والشابات أن يكونوا بأفضل زينتهم في النقارة، والشباب يلبسون قطعة في وسطهم تسمى (ضوك)، وهو جلد النمر، ويشترط أن يكون جلد نمر مقتول، وليس جلد نمر ميت، وهذا يضيف الكثير. كما يضع الفتيان ريش النعام على رؤوسهم، ويمسحون وجوههم بالألوان، ويؤدون هذه الرقصة حفاة في أغلب الأحوال، والفتيات يلبسن قطعة جلد أيضا تسمى (بونك)، وهو جلد بقر، ولا ينسين التزين بالسكسك وحلي من النحاس أو الفضة، وقبل المغرب بقليل يتوافد الشباب والفتيات مجموعات على مكان النقارة المقترح. وعندما يبدأ الرقص فإنه يحتاج إلى لياقة جبارة، لأن رقصة (دينكا ريك) يتم فيها ضرب الرجلين على الأرض بقوة، علما أنك لن تكون منتعل أي حذاء، وكلما استمررت في الرقص تتوافد عليك الفتيات ويتبارين للرقص أمامك، واليدان مرفوعتان إلى أعلى مثل قرون البقر. وعند القبائل في دارفور وغرب السودان يقول الأستاذ عثمان: إن النقارة يرقص فيها الفتيان على شكل دائرة، وتوضع آلة النقارة في منتصف حلبة الرقص التي يشارك فيها الشباب، ويرتدون جلاليب قصيرة تسمى (عراريق). وأضاف يضع الشباب على رؤوسهم بعض الريش المثبت على الطواقي الحمراء، ويحمل كل شاب سكينا مزينا، وتتزين الفتيات بالحلي والحرز (السكسك)، ويربطن على خصورهن العمائم، ويتكون العازفون من أربعة أشخاص الأول يضرب على النقارة، والثاني على آلة التمبل، والثالث على السواق، والرابع يغني. أما قبائل شرق السودان فإن النقارة تعرف باسم (النحاس)، ولها أهمية تختلف عن قبائل السودان الأخرى، فهي رمز للسلطة الزمنية والسياسية. وكل من يأخذها عنوة له الأحقية في زعامة القبيلة. ولا يتم الاعتراف بزعامة الشخص وسلطته، إلا بعد الحصول على النقارة التي تمثل مظهرا للهيبة، ومن العادات الموروثة لدى قبائل الشرق نشر اللبن على النقارة في حالة الحرب، باعتبار أن اللبن رمز النصر عند القبيلة.

الأحد، أغسطس 02، 2009

مقتطفات من كتاب لغة الاسماء والاماكن ومدلولاتها

بلقيس شبا (شبابلي كا إسي) ملكة شايقية نوبية!!

مقتطفات من كتاب ( لغة الاسماء والاماكن ومدلولاتها)

لمؤلفه الكاتب الأستاذ / محمد عوض الله حمزة


تتلاحم لغة الاسماء والاماكن كما نرى وتتشابك وتتداخل حول عناصرها التي حفظتها ذاكرة المجتمع وتداولتها الاجيال عبر الحقب الحضارية والثقافية منذ اقدم العصور رغم صراع السلطة والمجتمع وتغيير اللغة واختلاف الانظمة السياسية في بلاد البجا والنيل والجعليين والبطانة وكردفان.الا ان اعداء الحقيقة والتاريخ لا يتوروعون عن تزييفها فينسبون الام التاريخية بلقيس وفكرها الى اليمن في الجزيرة العربية بدلا عن السودان بلاد النوبة ومعقل ثقافتها وتراثها حيث كانت ارض بلقيس وقراها الافريقية الغربية التي دافعت عنها امام جيوش الملك سليمان الشرقية كانت تلك الارض والقرى في شِبا قرية الملكة ومكان عرشها حيث كانت سبأ جنتان عن يمين في مروي وعن شمال في نوري الشايقية لا يزال فكر الامومة الفرعونية ومجتمعها سائدا وموثقا في تاريخ تراث الشايقية وارثهم الثقافي الشامل للحقب الحضارية المتعاقبة ومراحل النوبية الفرعونية قبل بلقيس وبعدها، فالشاعر والاديب الشايقي محمد الحسن سالم حميد يستلهم من خلال ظاهرة ذاكرة المجتمع ومعلوماتها المتداولة عبر الاجيال يستلهم (حميد) بطولة الملكة الام (بلقيس وفكرها ويستنجد باحلامها لحل الازمة او مواجهتها وذلك على لسان بطلته الام الا ان اننتي نورا) نورا تحلم بي عوالم زي رؤى الاطفال حوالم لا درادر لا عساكر لا مظاليم لا مظالم فنورا حميد الشايقية حفيدة بلقيس ظلت تبحث عن مجدها وسعدها وطن المدينة الفاضلة الضائع في التواريخ الرؤومة بين نقوش نبتة ورسوما في الترابيل العظيمة وبين لغة مروي القديمة الدكتور جعفر ميرغني:فالصفوة المنتمية الى مجتمعها وارضها لا تتوقف عن دورها ورسالتها الفكرية الداعمة لمسيرتها الحضارية المتعاقبة على بلاد البجا والنيل والجعليين والبطانة وكردفان، فليس حميد وحده يبحث وينقب في ذاكرة المجتمع وتاريخه الحافل، فالدكتور جعفر ميرغني رائد علم لغة الاسماء السودانية يواصل التنقيب وكشوفه الاثرية خارج مناهج الدولة الرسمية بعد ان هدته مقدراته العلمية وملاحظته الذكية حاسة الباحث الى الاستعانة بذاكرة المجتمع السوداني وخصوصيته الثقافية المميزة التي اكتسبها عبر الحقب الحضارية ومناهجها في التعليم والتربية البدنية والدينية الروحانية التي يتولاها المعلم الزعيم او الشيخ الكاهن منذ حقب كوش وكرمة ونبتة ومروي البجراوية والحقب النوبية المسيحية والى حقبة التصوف الاسلامي التي انتشرت بمسايدها وخلاويها بعد سقوط مملكة علوة النوبية المسيحية والى ان انجزت مدينة ام درمان العاصمة الوطنية غناءها العاطفي وابتدرته بتحية ملوك ام درمان وملكاتها:يا ملوك ام در الليلة كيف امسيتو يا بت ملوك النيل يا اخت البدر مين لي علاك يميلدليلا على استمرار ظاهرة الملكات النوبيات في وادي النيل الى ان استمرت ام درمان ايضا ظاهرة توثيقها في مضامين وطيات غناءها وفنونها المستقلة والمميزة في بلاد البجا والنيل والجعليين والبطانة وكردفان!فالدكتور جعفر ميرغني ينضم الى ركب الصفوة المستنيرة وزعامتها العلمية الاكاديمية التي تشابكت مع سيرتها لغة الاسماء والاماكن السودانية التي تبحث عنها فنجدها دائما تتصل بثقافة الولاء للشعب والوطن واداء فروض الولاء والطاعة للارض والنيل وليس صعبا استنتاج دور الصفوة التي تتلقى تعليمها وتربيتها البدنية والروحية على يد الشيخ الكاهن او الزعيم المعلم في الدفاع عن الارض والكرامة امام الاعداء المتربصين من جهة الشمال والشرق ومن الغرب احيانا منذ عصر كوش وكرمة ونبتة ومروي البجراوية والحقب النوبية المسيحية وحتى مرحلة التصوف الاسلامي التي انتشرت خلالها مسايد الصوفية وخلاويها لتعليم النشء وتربيتهم على العقيدة الاسلامية الروحانية وقيم الخير والجمال والطبيعة وحب الارض والوطن.لذا فان خبر الملكة بلقيس اليقين ليس عند جهينة او ثقافته العربية لكنه وفقا للدكتور جعفر ميرغني وتخصصه الاكاديمي اضافة لمصادره الاخرى ومرجعيته المتميزة بانتماءها الى المجتمع وذاكرته الحية عبر الحقب والاجيال منذ اقدم العصور في بلاد البجا والنيل والجعليين والبطانة وكردفان، حيث عرفنا تاريخ وبطولة كثير من ملوك النيل وملكاته فيما لم يعرف وفقا للدكتور جعفر ميرغني وشهادته التاريخية الموثقة وقتها في اي عصر من العصور العربية تنصيب النساء ملكات كما كان يجري في السودان الشرقي قبل الملكة بلقيس او بعدها.فالملكة بلقيس اذن هي فعلا كما قرأ لغة اسمها ولقبها الدكتور جعفر ميرغني او كتبه شيب بابلي كوسي (Sheb Babele Kaesi) هي ملكة وادي الذهب الحرة.فالشيب هو اسم الذهب كما عرفناه ولقبه المرادف لـ (نوب) لذا فان شيبا الشايقية قرية بلقيس وارضها هي نفسها نبتة الشايقية المروية حيث نؤكد لغة الاسم والمكان في لقب الملكة بلقيس ترادفها وتشابكها مع ثقافة الرموز المقدسة وخيرات الارض والنيل عبر الحقب الحضارية المتعاقبة في بلاد البجا والنيل والجعليين والبطانة وكردفان فالمقطع المتوسط بلي كا هو حرفيا نسر الحرية وبالاحرى زعيم الخروج فتتبادر الى الاذهان ثقافة التربية الدينية وحرية العقيدة الروحانية التي يتولاها المعلم الزعيم في معابد الفرعونية او كنائس المسيحية ومساجد وخلاوى التصوف الاسلامي!اما إسي في نهاية اللقب فهي الام ربة الاسرة الفرعونية والملكة المتوجة على عرش النيل وارضه!! وذلك تأكيدا لموضوعية الدكتور جعفر ميرغني وشفافية لغة الاسماء والاماكن ومصداقيتها التي تتشابك مع عناصرها التاريخية والجغرافية والثقافية عند مقارنتها باسم الملكة بلقيس ولقبها الذي يضمها الى لغتها المروية الفرعونية ويعيدها الى ارضها وقراها التي دافعت عنها واهلها الشايقية (شايكلي) المتميزين بعلاقتهم المتفردة بنسرهم الاكبر او الاوحد وبحريتهم الاجتماعية وعاطفتهم المتميزة ايضا بين عناصر الوحدة والقنوع في بلاد البجا والنيل والجعليين والبطانة وكردفان.
منقول: من صحيفة الأيام - الأربعاء 29-07-2008م العدد رقم : 9170

الأربعاء، أكتوبر 29، 2008

التدخل الجراحي حل وحيد لعلاج انحراف الوتيرة الأنفية


التدخل الجراحي حل وحيد لعلاج انحراف الوتيرة الأنفية

د. مجدي عبد الكريم - استشاري الأنف والأذن والحنجرة وتجميل الأنف : عمّان -
يشكو العديد من الناس من انحراف الوتيرة الانفية ومشاكلها، ولا ننسى ان حوالي 80% من الناس لديهم هذا الانحراف، فما هي تداعياته وعلاجه؟
- الحاجز الانفي عبارة عن جدار يفصل الأنف الى فتحتين متساويتين تقريبا. يتكون من جزء غضروفي أمامي وجزء عظمي خلفي وهو مبطن بغشاء رقيق.
- يكون الحاجز الانفي منذ الولادة وخلال فترة الطفولة في المنتصف، لكنه ينحرف مع النمو الى احدى الجهات دون سبب واضح.
وفي فترة المراهقة فإن التعرض الى ضربات على الانف مسببة انحراف الحاجز يعتبر من اهم الاسباب.
- عند انحراف الحاجز الى احدى الجهتين فإنه يسبب اغلاقا لمجرى التنفس في تلك الجهة.
الأعراض والمضاعفات:
اعوجاج الحاجز الأنفي يسبب العديد من المضاعفات بسبب انسداد مجرى التنفس وعدم دخول الهواء وترطيب الأغشية الأنفية منها:
أ- صداع مزمن.
ب- انسداد مزمن في الانف.
ج- شخير. د- التهاب مزمن في الجيوب الأنفية.
هـ - التهابات متكررة في الأذن الوسطى بسبب اغلاق قناة استاكيوس، التي تصل بين الأذن والانف.
و- التهابات الحلق المتكررة. ح- تشوه منظر الأنف الخارجي وانحرافه باتجاه انحراف الحاجز، والقاعدة تقول "أينما يتجه الحاجز الأنفي يتجه المظهر الخارجي للأنف ولا يصلح المظهر الخارجي الا بعد تعديل الحاجز".
ط - النزيف الأنفي بسبب جفاف الاغشية الانفية وعدم ترطيب الهواء.
ي- انسداد الانف من الجهة المقابلة للانحراف بسبب تضخم القرنيات في الجهة الاخرى لوجود فراغ كبير في الفتحة الانفية المقابلة للانحراف.
التقييم:
يتم تقييم وضع الأنف لدى استشاري الأنف والأذن والحنجرة في العيادة. ويفضل اجراء التنظير الأنفي للكشف عن الجيوب الأنفية والجزء الخلفي من الأنف بالاضافة الى البلعوم الأنفي. والهدف من التنظير هو الكشف عما اذا كانت هنالك مضاعفات لانحراف الحاجز أم لا.
العلاج:
العلاج الوحيد لانحراف الحاجز الأنفي هو العملية، لكن متى يتوجب اجراء العملية؟ لا يحتاج كل انسان لديه انحراف الى تعديله، حيث ان أغلب البشر لديهم هذا الانحراف. يتم تعديل الحاجز الأنفي في الحالات التالية:
1- صعوبة التنفس أو انسداد الأنف بسبب انحراف الحاجز.
2- تشوه منظر الأنف وانحرافه الخارجي بسبب الحاجز.
3- حدوث مضاعفات بسبب الانحراف كالتهاب الجيوب الأنفية والصداع المزمن والشخير والنزيف الأنفي والتهاب الاذن المتكرر وغيرها.
العملية:
يتم تعديل الحاجز الأنفي بعملية من داخل الأنف ويمكن أن تجرى تحت التخدير الموضعي أو التخدير العام. توضع حشوة أنفية صغيرة في الأنف وتتم ازالتها خلال 24 ساعة ويغادر المريض ويستطيع العودة الى عمله خلال يومين. نسبة نجاح العملية عالية جدا وتعطي شعورا لدى المريض بفرق كبير في التنفس مقارنة بما قبل العملية.

الثلاثاء، أغسطس 05، 2008

الموروث الثقافي السـوداني

الموروث الثقافي السـوداني
تحديات الوحدة الوطنية والانتماء الإقليمي
د. يوسف مختار الأمين
كلية الآداب - جامعة الملك سعود - الرياض
بحث قدم في ندوة "العالم العربي وأفريقيا: تحديات الحاضر والمستقبل" الرباط 15 – 17 أكتوبر 2003 م.
وعبر هذه المدونة نستعرض اجزاء من هذا البحث والذي يتضمن :
المقدمة - عودة إلى الماضي - حوارات الهوية - عوداً على بدء - هوامش - مراجع
مقدمة
يمر السودان منذ إعلان الدولة الوطنية الحديثة في 1956 م. باضطرابات وأزمات سياسية واجتماعية تتصاعد وتيرتها مع تعقيدات الأوضاع الداخلية وارتباطاتها الإقليمية والعالمية. ويردُ المراقبون والباحثون في أوضاع السودان ذلك إلى عدة أسباب يلتقي معظمها في طبيعة المجتمع السوداني العرقية والثقافية وإمكانياته الاقتصادية. ولعل أبرز هذه الأسباب ما يمكن وصفه بالمأزق الثقافي التاريخي والظرف الموضوعي الذى تكونت فيه الدولة. وهو وضع لم تتمكن النخب التى تعاقبت على إدارة البلاد من النظر فيه، ومن ثم مواجهته بفاعلية. وزاد الأمر تعقيدًا تعثر هذه النخب في إنجاز القدر المطلوب من التنمية الشاملة وتأسيس نظام للحكم متفق عليه ويلبي طموحات الغالبية من أهل البلاد. وفي ظل أوضاع التخلف وتدهور مرتكزات الاقتصاد المعيشي الطبيعي وارتفاع معدلات النمو السكاني تتوسع تلقائياً بؤر الصراع الاثني والجهوي والثقافي. ويتجلى هذا الصراع في تبني مواقف سياسية، وثقافية مغايرة للسائد وفي مواجهة السلطة المركزية بحمل السلاح وإذكاء حرب أهلية وصراعات قبلية تتفاقم أبعادها وآثارها يومًا بعد يوم. فالحرب الأهلية في الجنوب ظلت مشتعلة منذ الاستقلال حتى الآن ما عدا فترة توقف لمدة عشرة أعوام. وشهدت البلاد مؤخراً صراعات وحروب في أقاليم السودان الأخرى في الشرق والغرب بين القبائل وبين بعضها والحكومة المركزية. إن استمرار هذه المواجهات قد أهدر موارد البلاد وعطل التنمية مما أدى إلى تفكك المجتمعات المحلية ونزوح الآلاف من السكان إلى غير أماكن تواجدهم الطبيعي، ويجمع المتابعون لمجريات الأمور أن استمرار هذه الأحوال بات يهدد الوحدة الوطنية ما لم يتم تدارك الأوضاع. ولا غرابة أن نجد اليوم أدبيات العلوم السياسية والاجتماعية الحديثة تصف السودان بالدولة المضطربة التي فشل قادتها ومثقفوها بصورة متكررة من مواجهة القضايا المعقدة التي أعاقت تطورها
Woodward,1989؛ منصور خالد: 1993.
تأمل هذه الورقة الاقتراب من قضايا الوحدة الوطنية ومعوقاتها المتمثلة في الصراعات الاثنية والثقافية وذلك من مدخل الموروث الثقافي. وأقصد بالموروث الثقافي كل المنتج الثقافي المادي وغير المادي منذ أقدم العصور حتى الوقت الراهن باعتبار أنه المحيط الذى فيه تشكلّت الهُويَّة السودانية وفيه تتفاعل تحولاتها الدينامية. إن تناول قضية الوحدة الوطنية وعلاقات الانتماء الإقليمي يمكن تناولها من منطلقات مختلفة بمناهج وأطر نظرية متنوعة. وما يهمني هنا، النظر في إمكانية تحليل الأوضاع الحالية انطلاقاً من الموروث المادي الذى يشمل كل ما تركته لنا مجتمعات العصور القديمة من مخلفات أثرية تشمل الأدوات والمباني والفنون وكل ما له صلة بالفعل الإنساني على مر العصور. كما يشمل كل التراث الشعبي من حرف ومنتجات محلية. إن دراسة الثقافة المادية ببعديها التاريخي والتراثي، من مهام علم الآثار الأولى كما سيأتي ذكره، إذ هي تشكل مصدراً أساسياً إن لم يكن وحيدًا لمعرفة التاريخ الثقافي للأمم. وينطلق البحث أيضًا من فكرة أهمية مراجعة التاريخ الثقافي السوداني (Culture History) منذ أقدم عصوره واستدعائه من أجل صوغ مفاهيم جديدة تشكل إطاراً موضوعياً لاستيعاب تعقيدات القضايا الملحة الآن في السودان واقتراح حلول مناسبة لها. فالموروث الثقافي المادي يمكن الاستفادة منه إيجاباً كما حدث في تجارب شعوب وبلدان أخرى في تدعيم ركائز الوحدة الوطنية. ويتم ذلك بالبحث عن المشترك بين فئات المجتمع وإبراز ما يدعم مبادئ التسامح والسلم الاجتماعي خاصة في حالات التعدد الاثني والثقافي في البلد الواحد. وقراءة التاريخ الثقافي في بلد مثل السودان، بشكل متوازن تؤهله لإيجاد مناخات جيدة لتأسيس علاقات إقليمية أكثر إيجابية وفائدة لكل الأطراف. لا تتوقف أهمية التراث المادي كما جاء في هذا السياق عند مرجعيتها وأهميتها التاريخية وإنما تمتد إلى كشف معالم الاستمرارية والتغير في الأنظمة الثقافية. فالتاريخ الثقافي المعروف في شمال البلاد ووسطها يتعاقب في حلقات متصلة منذ العصور الحجرية حتى العصر الإسلامي وذلك مع وجود فترات تحدث فيها تحولات حضارية عميقة تشمل معظم جوانب الحياة الفكرية والمادية ولكنها بدرجات متفاوتة. فعلى سبيل المثال عندما قامت الممالك المسيحية في أواخر القرن السادس الميلادي حلت الديانة وفكرها الجديد مكان أيديولوجية الدولة القديمة القائمة على نظام الحكم العشائري والمعتقد البدائي. وانعكس التغيير أساسًا في الفكر ونظام الحكم ولم يكن واضحاً المستوى نفسه في الجانب المادي من حياة الناس (للمزيد عن التحولات التى أصابت الثقافة السودانية مع وصول المسيحية انظر "أركامانى"). ومع انتشار الإسلام واللغة العربية فيما بعد لم تختف أيضًا عناصر الثقافة المادية للوهلة الأولى بل احتفظت ببعض عناصرها القديمة Adams,1977: 665-680. تنبه لمثل هذه النقطة كثيرون منهم من هو غير متخصص في مجالات الدراسات الحضارية. فحليم اليازجي عند دراسته للحركة الأدبية في السودان خلال فترة تزيد عن ثلاثمائة عام يقول: "... فبان لنا مدى الترابط القائم بين هذا الأدب وواقعه البيئي وأحداث تاريخه وكثيرًا ما كان انعكاسًا مباشراً لهذا التاريخ وتلك البيئات... فالماضي السوداني بكل ما استوعبه من تجربة يقتحم أبواب الحاضر في تداخل عفوي أو مقصود"؛ ويقول: "فالحضارات الموغلة في القدم، تحاور العقل السوداني المتطور الذى تغذي بلبان الثقافات الغربية الأكثر حداثة، وكذلك الثقافات العربية بنزعاتها الدينية والإصلاحية..." (اليازجي، 1985: 11-14).
وأخلص من ذلك إلى القول بأن الموروث المادي القديم والتراثي هو الأكثر قابلية، ضمن مجالات أخرى للبحث فيه عن المشترك بين فئات المجتمع في الماضي والحاضر ومن ثم تأويله لخدمة قضايا الهُويًّة والوحدة الوطنية.